الأزمة في اليمن: هل تمثل مرحلة فارقة للتحرّك الإنساني الدولي؟

20 آيار/مايو 2015
الأزمة في اليمن: هل تمثل مرحلة فارقة للتحرّك الإنساني الدولي؟
صنعاء-اليمن 03.04.2015 / CC BY-NC-ND/ICRC/T. Glass

 

بقلم إيف داكور، المدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر، نُشر على موقع Alertnet - Thomson Reuters Foundation.

حتى قبل أن يتسبب اشتداد  النزاع في اليمن على مدار الأسابيع القليلة الماضية في كارثة إنسانية جديدة ذات أبعاد كبيرة، فإن الجهود الإنسانية الدولية اقتربت فعليًا من حافة الانهيار، ذلك أنه لم يسبق في تاريخ البشرية أن تكالبت أشكال المعاناة الإنسانية بهذا الحجم نتيجة الأزمات المتزامنة التي تواجهها عدة بقاع حول العالم في يومنا هذا، ولم يحدث أبدًا أن اتسعت الهوّة بين هذه الاحتياجات وقدرة الجهات الدولية الفاعلة في المجال الإنساني على التصدي لها بهذا الشكل.

ومع انعدام أي أفق لانتهاء الصراع في سورية، تظل الأزمة الإنسانية التي تعيشها البلاد الأكبر في العالم، حيث يعاني ملايين السوريين داخل سورية وفي مختلف أرجاء المنطقة. ولا يزال حجم الموارد اللازمة لمجرد محاولة التصدي للأزمة هائلًا وبعيدًا جدًا عن المُتناول؛ ويظل مبلغ الـ 3,8 مليار دولار الذي تعهّد بتقديمه المانحون من الكويت في شهر آذار/مارس الماضي أقل من المبلغ الذي طلبته الأمم المتحدة بمفردها للاستجابة للاحتياجات المتزايدة لهذا العام. وفي الوقت ذاته، تظل دولٌ مثل أفغانستان، وجنوب السودان، وجمهورية أفريقيا الوسطى، والصومال، وجمهورية الكونغو الديمقراطية غارقةً في مستنقع نزاعات لا تلوح لها أي حلول في الأفق، وتنتج عنها معاناة إنسانية لا حدود لها لشعوب بأكملها. من جهة أخرى، فإن الوضع الإنساني في شرق أوكرانيا مُروّع. أما في العراق، وعلى نحو متزايد في ليبيا، لا يمضي يوم دون أن تُزهق أرواح جرّاء العنف الذي لا تهدأ ناره. وتأتي الحادثة التي وقعت مؤخرًا وغرق فيها المئات من المهاجرين الذي حاولوا الوصول إلى أوروبا هربًا من ليبيا لتُعيد إلى الأذهان الصورة القاتمة للوضع المأساوي الذي تعانيه أعدادٌ لا حصر لها من الرجال والنساء والأطفال الذين طالتهم الأزمة.

وفي الدول الهشّة التي لا تزال تنفض عنها غبار النزاعات المسلحة –حيث تظل إدارة شؤونها تمثل تحديًا، في ظل ضعف اقتصادها وبنيتها التحتية- يظل الفقراء والمُستضعفون هم الفئات الأكثر تضررًا من الصدمات الحادة، كالكوارث الطبيعية. ولعل أوضح مثال على هذا ما حدث في نيبال نتيجة الزلزالين اللذين ضربا البلاد خلال شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو، حيث خلّفا أزمة إنسانية حادة، وأعادا مسيرة التنمية في البلد الذي اكتوى بنار النزاعات سنوات إلى الوراء.

استجابة غير كافية

علاوة على كل ما سبق، يعيش اليمن أوضاعًا إنسانية كارثية عقب أسابيع من المعارك الضّارية والقصف الجوي الذي شمل مساحات كبيرة من البلاد، حيث تزداد أعداد القتلى والجرحى يومًا بعد يوم. وباتت المستشفيات والعيادات الطبية تعاني نقصًا في الإمدادات والأجهزة الطبية. إضافة إلى النقص الحاد في السلع الأساسية؛ كالمياه والغذاء، والوقود في العديد من مناطق اليمن، ليُحرم اليمنيون من أبسط سبل البقاء، ليضيف ذلك إلى معاناة شعب لطالما واجه الآثار المترتبة على الاضطرابات المتكررة، والجفاف، والفقر المزمن.

وحتى الآن، لا تزال الاستجابة الإنسانية في مُجملها لا تلبي إلا النذر اليسير من الاحتياجات، علاوة على تعذّر إدخال المساعدات الإنسانية اللازمة لإنقاذ الأرواح إلى اليمن، فضلًا عن توزيعها على الأفراد الأكثر احتياجًا لها بسبب المعارك وانعدام الأمن المُستمرّين، هذا بخلاف العقبات الإدارية. وما يزيد الوضع سوءًا، تكرار تجاهل أطراف النزاع لمبادئ القانون الدولي الإنساني الذي يُلزم القوات العسكرية والمجموعات المُسلّحة بتسهيل إيصال مواد الإغاثة الإنسانية، واحترام الحياد الطبي بما يكفل تقديم العلاج الطبي إلى كل من يحتاجه.

ومن العوامل التي تزيد الأمور تعقيدًا، عدم القدرة على التمييز في كثير من الأحيان بين الأجندات العسكرية والإنسانية للّاعبين الدوليين الرئيسيين في اليمن، من حيث التصور العام على الأقل، ذلك أن الإستراتيجيات المُنتهَجة لمحاربة الإرهاب، والغارات الجوّية، والحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على توريد الأسلحة إلى مجموعات المعارضة المسلحة كل ذلك قد يؤدي في نهاية الأمر إلى إعاقة وصول المساعدات الإنسانية إلى من يحتاجونها من طرفي النزاع بشكل غير مُتحيّز، ولا يقتصر أثر ذلك على الأمم المتحدة وشركائها فحسب، بل يمتد إلى جهات الإغاثة الأخرى.

تفويض الجهات المحلية

غير أن ثمّة أسباب أخرى تفرض نفسها وراء قلة عدد المنظمات الإنسانية التي تستطيع العمل بشكل فعال داخل اليمن، والوصول إلى المُحتاجين هناك. وفي حين قد تكون قيود التمويل إحدى هذه الأسباب، إلا أنه حتمًا ليس السبب الوحيد. فمن بين أبرز العوامل التي أدت إلى ذلك هو أن الهيئات الفاعلة في المجال الإنساني تفوّض جهات محلّية بتنفيذ أعمال الاستجابة وتحمّل المخاطر المصاحبة لها، مع احتفاظها بنطاق رقابة محدود –أو لا رقابة عل الإطلاق- على طريقة توزيع تلك الجهات المحلية للمساعدات وأماكن توزيعها، علاوة على بُعد هذه الجهات عن الأفراد التي تحاول مساعدتهم. ولا شك أن هذه المخاطر تهدد جانبي مساعي عدم الانحياز وجدوى الاستجابة الإنسانية، لا سيما في ظل غياب تصوّر حقيقي للاحتياجات الواقعية ومدى صمود المجتمعات المُتضررة. الأمر الذي يُسفر في كثير من الأحيان عن تعذر تبلور جوهر العمل الإنساني القائم على مبادئ في صورة استجابة جادة على الأرض.

ولا شك أن الاستجابة الإنسانية على اختلاف أشكالها قد تكون ملائمة في سياقات مُعينة، بحسب طبيعة الأزمة. فعقب كارثة زلزال نيبال على سبيل المثال، تضافرت جهود الاستجابة الإنسانية الدولية لدعم إمكانات الاستجابة الوطنية. وفي الوقت الذي عكفت فيه اللجنة الدولية للصليب الأحمر على تقديم بعض المساعدات الطارئة المباشرة، إلى جانب عملها على استعادة الروابط العائلية، فإنها تدعم على نطاق كبير عمل جمعية الصليب الأحمر النيبالي (التي تتبع السلطات الحكومية هناك)، وكذلك جهود الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر.

إلا إنه في حالات النزاع المُسلح بطبيعتها المُعقدة وما تفرضه من قيود، حينما لا تكون السلطات على استعداد لحماية الأفراد أو مُساعدتهم، أو تجد نفسها مكتوفة الأيدي عن تقديم المساعدة، لا شك أن حدوث استجابة مباشرة قائمة على مبادئ راسخة لهو إسهام لا يُقدر بثمن. وبالنسبة للجنة الدولية –إلى جانب غيرها من الكيانات التي تتبع نهج "دونان" في العمل الإنساني؛ مثل منظمة "أطباء بلا حدود"- يعني ذلك اتباع منهج قائم على التطبيق العملي للمبادئ الأساسية المتمثلة في عدم التحيز، والحياد، والاستقلال بطرق متعددة. ويتطلب هذا المنهج تقديم المساعدة على أساس الاحتياجات، وأن تكون الجهة المُقّدمة للمساعدة قريبة من المستفيدين، وأن تتضمن العمل مع جميع الجهات المعنية، ما يمنحها قبولًا واحترامًا على أوسع نطاق، ويتيح لها سهولة إيصال المساعدات الإنسانية إلى أكبر شرائح ممكنة من المحتاجين للحماية والمساعدة.

ضرورة القرب من أماكن المحتاجين

مع تزايد أعداد الهيئات المدنية والعسكرية المعنيّة بأعمال الإغاثة الإنسانية، ومع اختلاف طبائع مهامهم وطرق عملهم، لا يمكن بأي حال من الأحوال النظر إلى هذا المنهج بوصفه السبيل الوحيد أو الاختيار الصحيح عما سواه للجميع. ذلك أن الجهة التي تلتزم به ليست في منأى من المخاطر الأمنية وقيود الوصول. فضلًا عن أن التحديات التي تواجهها تلك الجهات سواء من الجهات المانحة غير الغربية والدول المُتلقية للمساعدات، والمجموعات غير الحكومية، وخاصة التحديات التي تواجهها من جانب المستفيدين من العمل الإنساني أنفسهم.

ومع زيادة وعي الأفراد والمجتمعات المتضررة من الأزمات، واتساع دائرة اتصالهم ونطاق تمكينهم بعد أن أصبح الوصول إلى المعلومات الآنية والتكنولوجيا سهلًا ومُيسرًا، سيكون بإمكانهم الاختيار من بين مصادر المساعدة المتنوعة، وأن يفرضوا شروطهم الخاصة. وفي الوقت نفسه، سيصبحون أهدافًا تسعى وراءها الجهات الجديدة على الساحة، التي تقدم خدماتها مُستندة إلى نماذج أعمال مُحكمة، وإلى تحليلات مُفصلة للمخاطر في مقابل المنفعة المتحققة، وخصوصاً في الأزمات "غير المُعقدة" التي يمكنهم فيها تقديم المساعدة بسهولة.

غير أنه في وضع كالذي يعيشه اليمن حاليًا، على ما ينطوي عليه من تعقيدات ومخاطر جمّة، حيث يمثل مجرد الوصول إلى المحتاجين تحديًا كبيرًا، فمن الواضح أن عددًا قليلًا من الجهات الدولية المعنية بالعمل الإنساني استطاعت الوصول إلى الأماكن الأكثر احتياجًا أو لديها الاستعداد لذلك. وبالرغم من الضّغوط الهائلة التي يفرضها التغير السريع للمشهد الإنساني هناك، فإن مثل هذه الأوضاع هي ما تستدعي حاجة ملحة لوجود جهات تقديم المساعدة على مقربة من الفئات المتضررة لتسهم في تخفيف معاناة الفئات الأكثر تضررًا على الجبهتين، حيث يكون العامل البشري العنصر الذي لا يمكن أبدًا الاستغناء عنه في جهود الاستجابة الإنسانية.